الهروب إلى الذهب .. أكبر شراء منذ 55 عاما
أظهرت البيانات التي تم جمعها من مجلس الذهب العالمي، مجموعة تمولها الصناعة، أن الطلب على المعدن النفيس تجاوز أي رقم سنوي في الـ55 عاما الماضية. أيضا تقديرات تشرين الثاني (نوفمبر) أكبر بكثير من الأرقام الرسمية التي صدرت عن البنوك المركزية، ما أثار تكهنات في الصناعة حول هوية المشترين ودوافعهم.
قال أدريان آش، رئيس الأبحاث في سوق بوليون فولت للذهب، “إن هروب البنوك المركزية إلى الذهب يشير إلى أن الخلفية الجيوسياسية عبارة عن حالة من عدم الثقة والشك وعدم اليقين”، بعد أن جمدت الولايات المتحدة وحلفاؤها احتياطيات روسيا من الدولار.
كانت آخر مرة شوهد فيها هذا المستوى من الشراء إيذانا بنقطة تحول تاريخية للنظام النقدي العالمي. في 1967، اشترت البنوك المركزية الأوروبية كميات هائلة من الذهب من الولايات المتحدة، ما أدى إلى انخفاض الأسعار وانهيار مجمع لندن للذهب. أدى ذلك إلى تسريع الزوال النهائي لنظام بريتون وودز الذي ربط قيمة الدولار الأمريكي بالمعدن الثمين.
قدر مجلس الذهب العالمي، في نوفمبر، أن المؤسسات المالية الرسمية في العالم اشترت 673 طنا. وفي الربع الثالث وحده، اشترت البنوك المركزية ما يقارب 400 طن من الذهب، وهو أكبر إفراط في الشراء في ثلاثة أشهر منذ أن بدأت السجلات ربع السنوية في عام 2000.
إن التقديرات المتحفظة من مجلس الذهب العالمي تفوق المشتريات المبلغ عنها إلى صندوق النقد الدولي من البنوك المركزية الفردية، التي تقف عند 333 طنا في الأشهر التسعة حتى أيلول (سبتمبر).
رسميا، اشترت تركيا القدر الأكبر في الربع الثالث بمقدار 31 طنا، ما رفع الذهب إلى نحو 29 في المائة من إجمالي احتياطياتها. تبعتها أوزبكستان بـ26 طنا، بينما قامت قطر في تموز (يوليو) بأكبر عملية شراء شهرية على الإطلاق منذ 1967.
يمكن تفسير التناقض بين تقديرات مجلس الذهب العالمي والأرقام الرسمية التي يتتبعها صندوق النقد الدولي جزئيا من الوكالات الحكومية إلى جانب البنوك المركزية في روسيا والصين وغيرها من الدول التي يمكنها شراء الذهب والاحتفاظ به دون الإبلاغ عنه كاحتياطيات.
اعترافا بكميته – لكن أيضا ربما في محاولة الإشارة إلى دوره المحدود – أفاد بنك الشعب الصيني الشهر الماضي بأنه في نوفمبر حقق أول زيادة في حيازاته من الذهب منذ 2019، قدرها 32 طنا بقيمة 1.8 مليار دولار تقريبا. لكن تقول صناعة الذهب “إن شراء الصين من المؤكد تقريبا أنه أعلى”.
وأضاف نيكي شيلز، استراتيجي المعادن في شركة إم إس كيه بي إيه إم بي لتجارة المعادن الثمينة، أن “أسعار الذهب كانت ستبلغ ذروتها بانخفاض 75 دولارا أمريكيا في نوفمبر لو أن بنك الشعب الصيني اشترى 32 طنا فقط”. تم تداول الذهب عند ارتفاعات وصلت إلى 1787 دولارا للأونصة “تروي” في نوفمبر، وارتفعت منذ ذلك الحين فوق 1800 دولار.
بالنسبة إلى روسيا، تسببت العقوبات في مشكلات كبيرة لصناعة تعدين الذهب فيها – الأكبر في العالم بعد الصين – في البيع في الخارج. البلاد تنتج 300 طن سنويا تقريبا، لكن سوقها المحلية تبلغ 50 طنا فقط، وفقا لـ”إم إس كيه بي إيه إم بي”.
في الوقت نفسه، جمدت الحكومات الغربية 300 مليار دولار من احتياطيات روسيا من العملات الأجنبية عبر العقوبات، التي يقول شيلز “إنها دفعت الدول خارج الغرب إلى التساؤل (هل يجب أن ننكشف على كثير من الدولارات عندما تستطيع الولايات المتحدة والحكومات الغربية مصادرة ذلك في أي وقت)؟”.
يقول آش “إن شراء روسيا الذهب يكرر قواعد اللعبة في جنوب إفريقيا خلال عقوبات حقبة الفصل العنصري لدعم التعدين المحلي عن طريق شراء المعدن الأصفر باستخدام العملة المحلية”.
توقف البنك المركزي الروسي عن الإبلاغ عن الأرقام الشهرية لاحتياطياته بعد فترة وجيزة من بدء الحرب. ورفض مسؤولوه الإشارة إلى شرائه الذهب.
قال إلفيرا نابيولينا محافظ البنك المركزي الروسي في منتصف كانون الأول (ديسمبر)، “احتياطياتنا من الذهب والعملات الأجنبية كافية. ليس لدينا مهمة محددة لتكديس احتياطيات الذهب والعملات الأجنبية”.
مع ذلك، وضع مسؤولو البنك المركزي الروسي منذ فترة طويلة قيمة استراتيجية لتعزيز احتياطيات الذهب. في 2006، قال “إنه سيكون من المرغوب فيه أن يشكل الذهب 20 – 25 في المائة من حيازاته، في شباط (فبراير) 2022، آخر مرة نشر البنك المركزي الروسي بياناته الإحصائية، كان الذهب يمثل 20.9 في المائة. كما خفض حيازاته من سندات الخزانة الأمريكية إلى ملياري دولار فقط من أكثر من 150 مليار دولار في 2012، في حين زاد احتياطيات الذهب بأكثر من 1350 طنا بما قيمته 80 مليار دولار تقريبا بالأسعار الحالية، وفقا لبنك جوليوس باير السويسري الخاص.
يعتقد كارستن مينكي، رئيس أبحاث الجيل القادم في “جوليوس باير”، أن المشتريات من روسيا والصين تشير إلى إحجام متزايد عن الاعتماد على الدولار.
“الرسالة التي تبعثها هذه البنوك المركزية من خلال وضع حصة أكبر من احتياطياتها في الذهب هو أنها لا تريد الاعتماد على الدولار كأصل احتياطي رئيس لهم.” كما قال مينكي.
ستختبر الأشهر المقبلة إذا ما كان الشراء القياسي للبنوك المركزية بمنزلة طفرة انتهازية مع انخفاض أسعار الذهب، أو تحولا أكثر هيكلية.
حتى مع تعافي الأسعار منذ ذلك الحين إلى نحو 1800 دولار للأونصة “تروي”، فإن قليلا منها على استعداد للمراهنة على أن الاتجاه نحو تنويع احتياطيات البنوك المركزية سيغير مساره في أي وقت قريب.
قال برنارد دحداح، كبير محللي السلع في بنك الاستثمار الفرنسي ناتيكسيس، “إن تفكك العولمة والتوترات الجيوسياسية يعنيان أن دافع البنوك المركزية خارج الغرب للتنويع بعيدا عن الدولار هو “اتجاه لن يتغير لمدة عقد على الأقل”.