
“ريتا حلبي تكشف ما يخفيه المجتمع: المرض النفسي.. بين الخجل والصمت والفن كصرخة مواجهة”
لينا شمالي_ العميد برس
حين يصبح الجسد صرخة، والفراغ ساحة مواجهة، والفن وسيلة للنجاة… تظهر ريتا حلبي.
بجرأة فنية لا تعرف المجاملة، تقف ريتا – الفنانة التشكيلية وخريجة كلية الفنون الجميلة في حلب – على حافة الصدمة الإبداعية لتقدم عرضًا استثنائيًا بعنوان “ملف مرض نفسي”، تتجاوز فيه كل القوالب، وتفكك عبره صمتًا طويلًا فرضه المجتمع على الألم النفسي.
ليست ريتا مجرد فنانة تدمج بين فن الأداء والتشكيل، بل هي صوت ينطق بلغة إنسانية صافية، تحمل في طياته وعياً حاداً ورفضاً للخجل من الجراح النفسية.
في هذه المقابلة، تتحدث ريتا بكامل حريتها عن انحيازها للفن كعلاج ومواجهة، وعن دور الجسد في التعبير، وموقفها من وصمة المرض النفسي.
هذا الحوار ليس فقط رحلة داخل رؤى فنانة متمردة، بل أيضًا دعوة لإعادة النظر في علاقتنا بذواتنا، وبمن حولنا.
🔹 من هي ريتا حلبي؟
بدايةً، من هي ريتا حلبي؟ كيف تحبين أن تقدمي نفسك للجمهور؟
ريتا حلبي فنانة تخرجت من كلية الفنون الجميلة التطبيقية في حلب. ريتا علمتها الحياة أن تستخدم قلبها و عقلها للتعبير عن أفكار أدركتها عبر الزمن بمجتمعها بعضها أبيض و الآخر أسود و الباقي نحن ننسج بالرمادي. هي تضيء من داخلها لتعبّر عن إنسانيتها.
🔹 البداية والأثر
ما الذي شكّل بداياتك الأولى في عالم الفن التشكيلي وفن الأداء؟ ومن كان له الأثر الأكبر في مسيرتك؟
حبي للألوان و تسجيد الأفكار من خلالها كان ملاذي الوحيد للتعبير… اعتبار أن الفضاء هو لوحة كبيرة نقدر على التشكيل بداخلها إن كان بفن الأداء أو التشكيل بالفراغ بلا حدود كان له أثر كبير و إحساس بالحرية.
كيف كانت بدايتك مع فن الأداء، وما الذي جذبك لاستخدام الجسد كوسيلة رئيسية للتعبير؟
الحقيقة هذه أول تجربة لي مع الأداء و لكن هناك ما حفزني بقوة لاتجاه للأداء في هذه الفكرة، بسبب ثقل
الفكرة لا تحتمل طريقة تعبير عادية انها بحاجة للمواجهة لذلك استخدمت الجسد لاقول لا اقول هاهم هاهم المرضى النفسيين بجسدهم بذكرياتهم بصدماتهم الجمهور أول مرة يسمح به أقول أن هذا الفضاء أو هذا الكون أيضا لوحة كبيرة دعونا نملؤه بالكثير من الفن والألوان و الادوات هيا دعونا لا نتأطر بلوحة من أطار خشبي فالكرة الأرضية بحد ذاتها عمل فني متكامل الشمس و أشعتها التي تظهر هو فن أداء البحر و الأمواج المتحركة هي فن أداء دعونا لا نضيق نظرتنا و لنرى المشهد كامل
🔹 بين الأداء والتشكيل: فلسفة فنية
كيف توازن ريتا الحلبي بين فن الأداء والفن التشكيلي؟ وهل ترين بينهما تقاطعاً أو تناقضاً؟
الفن هو روح متكاملة تتقاطع بالكثير من النقاط، أما بالنسبة لي الأفكار هي التي تحدد لي طريقي بالفن. هنالك أفكار يمكنني أن أطرحها في لوحة، و بالمقابل هنالك أفكار تحتاج فراغ كامل للتعبير عنها، و لكن إن كان الفن التشكيلي أو فن الأداء أو أي نوعية من الفن، فإنهم جميعهم آلات موسيقية تكمل المعزوفة و تضيف لها ألوان مختلفة.
هل تعتمدين على مدارس فنية محددة، أم أنك تميلين إلى خلق أسلوب خاص بكِ بعيداً عن التصنيفات التقليدية؟
لا أعتمد على مدارس فنية، بل أخلق أعمالي بطفولة كبيرة و بفطرية و بالكثير من العقل و القلب المشغلين.
كيف تنعكس تجربتك التشكيلية في عروض فن الأداء التي تقدمينها؟
إن تجربتي الفنية التشكيلية أو الأكاديمية تنغمس بكيفية تشكيل للعمل الأدائي إن كان بتوزيع العناصر و اللون الموجود بالأداء و حتى بالإضاءة
🔹 عرض “ملف مرض نفسي”: رؤية ورسالة
ما الفكرة الأساسية التي تنطلقين منها في عرضك “ملف مرض نفسي”؟
فكرتي من ملف مرض نفسي هو شعور المريض النفسي و تسجيد صراعاته و كانت رؤيتي الأساسية هي عرض فكرة المرض النفسي الذي يهمشها المجتمع و يتعامل معها على أنها نوع من العيب لذلك تم تشبيه المرض النفسي بالثقل. و لا يشعر بهذا المرض النفسي ولا يراه سوى المريض فقط، لذلك تعمدت قولي للمجتمع هذا هو المرض النفسي، هو موجود، هيا انظروا إليه.
هل يرتكز العرض على تجربة شخصية؟ أم هو تجميع لحالات وشهادات؟
كل منا له تجربة شخصية مع المرض النفسي أو بالأعم الخلل النفسي، نحن قوم مجروح تم ضغطنا لمدة طويلة من الزمن، فمن الطبيعي أن يكون لكل فرد منا تجربة خاصة مع الخلل النفسي…… و كان لرؤية حالات من مجتمعي الخاص تأثير كبير على تراكمية أفكار العرض
كيف تم توظيف الجسد في العرض للتعبير عن الألم النفسي؟
كان لابد من وجود أجساد ليتجسد العرض بطريقة واقعية، ها هم أناس حمل نقل المرض النفسي، فانظروا إليهم، هم موجودين هذه المرة بالواقع.
هل يمكن اعتبار عملك الفني مساحة علاجية، لكِ أو للجمهور؟ وكيف تنظرين إلى دور الفن في مداواة الجروح النفسية؟
عملي عبارة عن مساحة اصطدامية بين المجتمع و واقع وجود المرض النفسي… الفن هو كالطائر يغرد لنا بأجمل المقطوعات بالفن، نحن نطير و نحلق فوق كل شدة.
🔹 وصمة المرض النفسي: موقف فني وإنساني
ما موقفك من وصمة المرض النفسي في المجتمع؟ وهل تحاولين مواجهتها من خلال الفن؟
برأيي الشخصي أن الناس قد نسيت أن الإنسان يتكون من جسد و نفس و روح، فكما تألمنا يدنا و نعالجها كذلك النفس تمرض و هي بحاجة لدراية، و لعلاج، للأسف مجتمعنا يتعامل مع المريض النفسي أنه إنسان مجنون أو فاقد الأهلية، أو حالة ثانوية، هناك ناس تصغر الأمر و تقول: “إيه ولو ما فيك شي….” أنني أوجهها و أقدمها بعلنية و بجرأة عن طريق ملف مرض نفسي، أرجو تحريك المي الراكدة عن طريقه حتى لو كنا بمستنقع فـالحركة فيه تعني مازلنا نحن على قيد الحياة
إلى أي مدى تشعرين أن الفن السوري المعاصر يجرؤ على طرح موضوعات مثل المرض النفسي؟
الحقيقة الفن السوري من فترة الضيق التي كنا بها اتجه إلى التكلم عن الكثير من الموضوعات لها حجمها مثل المرض النفسي.
🔹 حول فن الأداء
“فن الأداء يُوصف أحيانًا بأنه فن الهامش، أو الفن الذي يتجاوز التعريفات، لأنه لا يُصنَّف بسهولة ضمن المسرح أو الفنون التشكيلية أو حتى الرقص. كيف تشرحين هذا الفن لجمهور يسمع به للمرة الأولى؟ وما الذي دفعك لاختياره كوسيلة أساسية للتعبير؟
هو فن صادم لجرأة أدواته فعندما نرى مارينا آبراموفيتش تجلس فقط لتبادل النظر مع المتلقي فـهي شي جريء و
واخز للمتلقي لكنه مشروع و هادف …. الصدمة المدروسة شي مهم و نحن بحاجة إليه مثل المريض الذي يتوقف
قلبه فهو بحاجة نبضات كهربائية ليعيش مرة أخرى و هكذا الفن الأداء هو تلك النبضات
🔹 ما بعد العرض
ما مشروعك التالي بعد “ملف مرض نفسي”؟
لا أعلم أريد وقتا لأخرج من حالة ملف مرض نفسي ولكن ربما سأتجه لشيء متفائل قليلا
وأخيراً، ما الذي تتمنين أن يحمله الجمهور معهم بعد مغادرتهم قاعة العرض؟
أتمنى أن أكون ذكرت كل شخص بأن المرض النفسي هو شيء له مكانه بحياتنا و أتمنى أن نتعلم من خلال مرض
نفسي كيف نتعامل مع المريض النفسي و أريد أن يقف كل شخص أمام مرآته بعد المعرض و يتذكر كيف هو نفسيا يا ترى هل هو بخير أم لا
كسر الصمت حول الألم النفسي: شهادات من المعرض
يرى بعض الحاضرين في معرض “مرض نفسي” أن العمل لا يكتفي بعرض تجربة فنية، بل يفتح باباً حقيقياً لفهم أعمق لمعاناة يعيشها كثيرون في صمت. يقول ميشيل دايه إن الأداء ترك أثراً نفسياً تراكمياً، مشبّهاً إياه “بثقل بسيط يتحوّل مع الوقت إلى ألم لا يُحتمل”، مضيفاً أن التكرار الصوتي والصوري كان مزعجاً بشكل مقصود، ما جعله يشعر “وكأن السمع يُجرح بسكين”.
“الرسالة وصلت بوضوح”، يتابع دايه، “العمل يُرغمنا على مواجهة أنفسنا، ويذكّرنا بأن المرض النفسي واقع لا يمكن تجاهله أو التخفيف من شأنه، وأنه ليس عيباً.”
من جانبه، يرى المعالج النفسي حسام حسون أن مثل هذه العروض تفتح نقاشاً ضرورياً في مجتمع يعاني من نقص في الثقافة النفسية.
“العمل يطرح أسئلة حول من هو المريض النفسي وكيف يمكن دعمه. المصاب ليس عاجزاً، بل يمكنه أن يكون منتجاً وفاعلاً إذا حصل على الدعم المناسب”، مشدداً على أن “كسر الوصمة يبدأ من المبادرات التي تتيح للناس فهم أعمق، وتشجّعهم على طلب المساعدة دون خجل أو خوف.”
وأعرب الفنان والنحات مصطفى علي، صاحب الغاليري المستضيف للمعرض، عن تقديره لتجربة “مرض نفسي”، واصفًا إياها بأنها تقدم طرحًا مختلفًا يدمج بين الفن البصري والحالة النفسية. ورأى في هذا العرض تجربة فنية ذات بعد جديد على الساحة السورية
وقال: “تحاورت مع الفنانة أكثر من مرة قبل المعرض، وشعرت أن لديها فكراً جديداً وطريقة مختلفة في مقاربة الفن، تمزج بين التعبير الجسدي والمشهد البصري والحالة الداخلية للإنسان.”
واعتبر أن هذا النوع من العروض، رغم حداثته نسبيًا في سوريا، ينتمي إلى تيار الفن المعاصر الذي نشأ في أوروبا، ويهدف إلى التعبير عن قضايا معاصرة وحساسة بشكل مباشر وغير تقليدي.