ثقافة وفنونسلايدشريط الأخبار

النحات مصطفى علي: “وُلدت لأكون نحاتًا.. ولا أؤمن بالمستحيل”

العميد برس _ لينا شمالي

في محترفه الذي تحوّل إلى مساحة ثقافية نابضة بالحياة وسط دمشق القديمة، يستقبلك الفنان والنحات السوري مصطفى علي بابتسامته الهادئة وصوته المحمّل بالشغف، ليحدثك عن البدايات، والإرادة، وتحولات النحت في بيئة طالما وُصمت الفن بالتساؤل والريبة.

“العميد برس” التقت بالفنان مصطفى علي في حوار عفوي وصريح، تحدّث فيه عن مسيرته، العقبات التي واجهها، رؤيته للفن، ومستقبل النحت في سوريا والمنطقة.

● في البداية، دعنا نعود إلى اللحظة التي تشكّل فيها هذا الشغف.. كيف بدأت الحكاية؟

في البدايات، كان حجم الطموح كبيرًا جدًا، لكن الإمكانيات المادية والفنية كانت محدودة جدًا. مع ذلك، اجتمعت الإرادة والاجتهاد والموهبة والقدرة على التواصل، إضافة للسيطرة على المادة الفنية، لتصنع شخصًا اسمه مصطفى علي.
أنا أؤمن بالفرد، بالفرد الذي يغيّر ويبني ويجمل ويبدع. عبر التاريخ، التغيير دائمًا كان بفعل أفراد، لا جماعات.


● وما هي أبرز الصعوبات التي واجهتك؟

الصعوبات الأولى كانت مادية بحتة. لم يكن لدي شيء، لكن الجوع الفني، الحماس، والتحدي كلها كانت موجودة، وهي التي صنعت الإرادة.
أنا أؤمن أنه لا يوجد شيء اسمه “مستحيل”. الكلمة نفسها فارغة من المعنى حين تمتلك الإصرار والرؤية.

 


● النحت في سوريا كان يُنظر إليه دائمًا بعين الريبة، خصوصًا من زاوية دينية. كيف تعاملت مع ذلك؟

بالفعل، كان هناك التباس بين “النحت” و”الصنم”، وكان السؤال دائمًا: هل يجوز؟ هل هو حرام؟ لكني حاولت أن أشرح أن ما نقوم به ليس “أصنامًا” بل فنًا.
أقنعت والدي أولًا، ومع الوقت، صار يدافع عني. ثم العائلة كلها. أثبتُّ أنني لا أنحت للعبادة، بل للتعبير.
في الأساس، حتى الأصنام في التاريخ كانت تجسيدًا لفكرة، وليس عبادةً للحجر. الكعبة نفسها رمز، مبنية من حجر، لكنها تمثل العبادة لله، لا الحجر نفسه.


● هل واجهت انتقادات من المجتمع المحافظ في البداية؟

نعم، خاصة من الأهل. لكنني كنت أشرح لهم أن هذا ليس تمثالًا للعبادة. وبعد أن بدأت أُعرف وأشتهر، صاروا أكبر داعم لي.
رغم أن النحت لم يكن له مستقبل واضح حينها، وكان أقصى الطموحات أن أكون أستاذ مدرسة، إلا أنني كنت مدفوعًا بقناعة داخلية أنني وُلدت لأكون نحاتًا. الإرادة والتواصل المحلي والعالمي هما من يصنعان الفنان، لا الظروف.


● حصلت على جوائز مهمة خلال مسيرتك، هل تمثل لك شيئًا؟

فزت بجوائز كثيرة، منها ذهبية في سوريا، وأخرى في أوروبا، وثالثة في الإمارات. وأهمها ربما كانت في باريس، حين فزت في مسابقة بمشاركة 34 دولة، ونتج عنها عمل نحتي أصبح جزءًا دائمًا من متحف معهد العالم العربي هناك، على سطح المتحف، حيث يراه الزوار صيفًا وشتاءً.


● كيف ترى تطور النحت في سوريا اليوم؟

نحن تجاوزنا مرحلة الخوف والتردد. في الماضي، كان الناس يدخلون صالتي ويقولون “جايين نتفرج على الأصنام”، واليوم يأتون ليشاهدوا الأعمال الفنية ويستمتعون بها.
كان هناك جهل كبير في فهم الفن البصري. أقول للناس: “لا تبحث عن تفسير للعمل الفني، فقط قف أمامه. إذا شعرت بالحزن أو الفرح أو الدهشة، فهذا يعني أن العمل وصل إليك”.
الفن لغة العين، وليس بحاجة إلى تأويل معقد. فقط انظر، دع العمل يحاورك.


● حدثنا عن مكتبتك ومساحة العرض. ماذا تضم؟ وما النشاطات التي تستضيفها؟

المكتبة تضم كتبًا فنية خالصة، نقد فني، دراسات، وروايات. كنا نفتحها للعامة، لكن مع الوقت ولأسباب تتعلق بالأمانة، صرنا نسمح بالقراءة ضمن المكان فقط.
أما المساحة، فهي صالة عرض، ومكتبة، ومكان للحوارات الفنية، والحفلات الموسيقية، والمسرح، والقراءات. مكان مفتوح للفن بكل أنواعه. المساحة الواسعة تتيح تنوعًا كبيرًا بالفعاليات.


● هل هناك نشاطات أو معارض قادمة؟

دائمًا هناك معارض. حاليًا، هناك عرض دائم لأعمالي في القاعات، وبعض الأعمال الجديدة التي لم تعرض بعد.
لدي مشاغل عديدة بين دمشق، وبيروت، ودبي، وحتى باريس. أعمل على البرونز، الحديد، الخشب، ولكل مادة مشغل خاص بها. أنا مستمر بالإنتاج، والتجريب، والتقديم.


● أخيرًا.. ما هي رسالتك لمن يريد خوض غمار الفن في عالم مليء بالتحديات؟

الإرادة، ثم الإرادة، ثم الإرادة. لا تصدق أن الطريق مغلق. كل ما نحتاجه هو أن نؤمن بأنفسنا، وأن نتواصل، وأن نتحرك.
الفن ليس ترفًا، بل ضرورة روحية وإنسانية. لا تنتظر الظروف لتكون مثالية. اصنعها.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى