أزمة جوع تهدد العالم خلال 2023 .. تخطت حدود الأسعار إلى عدم الكفاية
على أي حال مر العام بما له وما عليه، لكن السؤال يظل قائما، هل ستواصل أسعار المواد الغذائية الارتفاع في 2023، أم ستتراجع، أم ستبقى كما هي؟
سؤال يدخل في صلب الحياة اليومية والمعيشية لسكان الكوكب جميعا بلا استثناء، وتمثل الإجابة عليه أهمية ضرورية لكل من المواطن وصانع القرار الاقتصادي، فبناء على الإجابة ستعيد الحكومات النظر في عديد من جوانب سياستها الاقتصادية بما في ذلك أولوياتها التنموية وكيفية توزيع مواردها المالية.
كانت الاضطرابات في سلاسل التوريد واضحة منذ جائحة كورونا 2020، ومع اندلاع الحرب الروسية الأوكرانية تفاقم الوضع خاصة فيما يتعلق بسلاسل توريد المواد الغذائية وأبرزها الحبوب، فروسيا وأوكرانيا من المصدرين الرئيسين للقمح، ومع تواصل الحرب بينهما حدث ارتفاع هائل في تكاليف الغذاء في 2022.
وفي آذار (مارس) الماضي، وصلت مؤشرات الأسعار إلى مستويات غير مسبوقة، وهذا يعني أن كل مساعدة تقدمها الحكومات للأسر الفقيرة لم تسهم عمليا في تحسين مستوى معيشتهم، إذ يلتهم ارتفاع أسعار الغذاء الجزء الأكبر من تلك المساعدات.
من جانبه، قال لـ”الاقتصادية” كودي جسبير الاستشاري في منظمة الأغذية والزراعة التابعة للأمم المتحدة “الفاو”، “إن الجهود التي بذلتها الأمم المتحدة للسماح لأوكرانيا باستئناف صادرات الحبوب من البحر الأسود، قدمت بعض الراحة للأسواق العالمية، وانخفض مؤشر أسعار الغذاء لمنظمة الفاو بعد أن وصل إلى أرقام قياسية”.
وأوضح أنه “على الرغم من انخفاض أسعار بعض المواد الغذائية إلى مستويات ما قبل الحرب، إلا أن الأسواق ستكون متقلبة، حتى إذا انخفضت الأسعار العالمية، فقد لا تشهد الأسواق المحلية تعديلات في الأسعار العام المقبل أو إلى الربع الثالث من العام المقبل”.
ولا شك أن أسعار الغذاء وارتفاعها مشكلة جوهرية تعمق أزمة الغذاء العالمي، لكن السؤال الذي يؤرق الجميع الآن، هل ستقف حدود المشكلة عند ارتفاع أسعار الغذاء فقط في عام 2023، أم أن الإنتاج العالمي من الغذاء معرض أيضا للتراجع، ما يزيد من تعقيدات المشكلة الغذائية؟
وبلغت فاتورة الواردات الغذائية العالمية في 2022 نحو تريليوني دولار أمريكي تقريبا، بزيادة 10 في المائة عن المستوى القياسي لعام 2021، كما أن نقص إمدادات القمح والأسمدة أدى إلى ارتفاع الأسعار وزيادة فواتير استيراد المواد الغذائية لأكثر الدول ضعفا بأكثر من 25 مليار دولار.
ويعتقد الخبراء أن تلك الفاتورة سترتفع في 2023 مع تباطؤ في وتيرة الزيادة، لأن عديد من الدول ذات الدخل المنخفض والمتوسط والمستوردة للغذاء لن يكون في مقدورها مواصلة الاستيراد، بسبب ارتفاع الأسعار وانخفاض قيمة العملات المحلية مقابل الدولار الأمريكي.
وكلا العاملين يثقل كاهل القوة الشرائية للدول المستوردة، ويؤثر في أحجام وكميات المواد الغذائية المستوردة، أما الزيادة المتوقع حدوثها في فاتورة استيراد الغذاء فستقف خلفها الدول الغنية ذات الدخل المرتفع، التي تمتلك القدرة على تلبية احتياجات مواطنيها من المواد الغذائية.
من وجهة نظر بعض الخبراء يبدو المشهد القادم للوضع الغذائي الدولي عام 2023 صعبا ومحزنا، إذ أبدت الدكتورة إيديث ألبيرت أستاذة الاقتصاد الزراعي في جامعة أكسفورد والاستشارية في الأمم المتحدة، انزعاجها من غياب الأمن الغذائي في العام المقبل.
وقالت لـ”الاقتصادية” إن “العالم يدخل أزمة جوع في عام 2023، فبرنامج الغذاء العالمي التابع للأمم المتحدة، أعلن ارتفاع عدد الأشخاص الذين يواجهون انعدام الأمن الغذائي الحاد من 282 مليون عام 2021 إلى 345 في عام 2022، وسندخل العام الجديد ونحو 50 مليون شخص على شفا المجاعة”.
وأضافت، “المشكلة أن الحكومات لا تزال تعاني من أثار جائحة كورونا، وأغلب التوقعات تشير إلى تباطؤ النمو الاقتصادي العالمي عام 2023، ما يعني تراجع قدرة الدول على تمويل الفاتورة الغذائية في العام الجديد”.
وتلقي ألبيرت مسؤولية تفاقم الأزمة الغذائية، خاصة في الدول الفقيرة ولو جزئيا، على عاتق الدول المتقدمة، وتقول، “إجراءات التشديد النقدي التي اتخذتها عديد من البنوك المركزية في الاقتصادات المتقدمة الرئيسة للحد من ارتفاع معدلات التضخم، رفعت تكلفة الائتمان وكبحت التدفقات المالية الموجهة نحو الدول الفقيرة، وأدت إلى خروج رؤوس الأموال الأجنبية من الأسواق الناشئة، وبذلك أضعفت قدرة عديد من الدول في تمويل استيراد المواد الأساسية”.
كما يعتقد البعض أن مشكلة الغذاء في 2023 لن تقف عند حدود ارتفاع الأسعار، لكن أيضا تراجع العرض أو المتاح من بعض السلع الزراعية الغذائية، وقد حذر أنطونيو غوتيرش الأمين العام للأمم المتحدة من هذا الوضع، إذ إن العالم قد يتحول من معاناة تضخم أسعار الغذاء إلى عدم وجود ما يكفي من الغذاء.
لكن البروفيسور ادورد دين أستاذ الاقتصاد الدولي السابق في جامعة كامبريدج، يرى أن الحديث عن النقص المحتمل للغذاء العالمي في العام الجديد، حديث عام مبهم، يستهدف تمييع المشكلة، وعدم وضع أصابعنا على الأسباب الحقيقية لهذا النقص.
وأوضح لـ”الاقتصادية” أن “الناس ستعاني من الجوع لأسباب عديدة، فبعض المناطق مثل أفغانستان وإثيوبيا، تكون المعاناة نتيجة الحروب وعدم الاستقرار، ما يعني تعطل الزراعة، وفي مناطق أخرى مثل باكستان والقرن الإفريقي فإن العوامل المناخية هي السبب، الفيضانات أغرقت ثلث باكستان والجفاف ضرب منطقة القرن الإفريقي، وهنا يتحمل العالم المتقدم والصين المسؤولية عن هذا التغيير المناخي”.
ويستدرك قائلا، “مشكلة الغذاء في 2022 ، كانت مشكلة لوجستية، إذ كان هناك ما يكفي الجميع من الحبوب، لكن اضطراب سلاسل التوريد أعاق وصول الغذاء إلى المحتاجين إليه، أما في 2023 فجزء من المشكلة مصدرها العقوبات الغربية المفروضة على روسيا، حيث تعد أكبر مصدر للنتروجين في العالم، وثاني مصدر للبوتاسيوم والثالث في سماد الفوسفور، ومسؤولة عن ما يقرب من خمس صادرات الأسمدة العالمية”.
وأشار إلى أن الصراع في أوكرانيا والعقوبات المفروضة على روسيا أدى إلى حدوث اضطراب خطير في العرض والطلب على مغذيات المحاصيل، وقد تضاعفت تكلفة الأسمدة أربع مرات في بعض الحالات، وباتت الدول المستوردة للغذاء تواجه تأثيرا مضاعفا، إذ تواجه فاتورة استيراد أغذية أعلى وتكلفة أعلى للأسمدة.
وتابع، “على سبيل المثال تضاعفت أسعار اليوريا، والنتيجة أن المزارعين في جميع أنحاء العالم يستخدمون كميات أقل من الأسمدة، ومن ثم ستنخفض الإنتاجية، كما أن نقص الأسمدة وارتفاع أسعارها في بلد كالبرازيل التي تعتمد على واردات الأسمدة بشكل كبير، يؤدي إلى انخفاض الغلة”.
ويتخوف كثيرون من أنه إذا استمرت الحرب الروسية الأوكرانية العام المقبل، فإن احتمال أن تخفض أوكرانيا وروسيا صادراتهما بشكل كبير من المواد الغذائية والأسمدة، أمر وارد الحدوث، ويرجح أن تخفض أوكرانيا صادراتها من القمح بنسبة 40 في المائة، وقد تفعل روسيا شيئا مماثلا.
كما أن ارتفاع تكلفة الأسمدة أثر على إنتاج الأرز لعام 2023، وإذا أخذنا في الحسبان أن القمح والأرز يدخلان ضمن الأغذية الرئيسة في جميع أنحاء العالم، فإن الأمر قد يتطلب وقفة دولية حقيقية لدرء أخطار أزمة غذائية قد تطول الجزء الأكبر من سكان الكوكب.
مشكلة الغذاء الخطيرة التي يمكن أن يتعرض لها جزء كبير من المجتمع الدولي في العام المقبل، يتطلب التصدي لها صدقا في النيات وتعاونا دوليا حقيقيا والتسامي عن الخلافات السياسية والصراعات الجيوسياسية، لإنقاذ الأرواح في 19 نقطة ساخنة للجوع في عام 2023، لكن الدول الكبرى التي تقود المجتمع الدولي لا تبدو عابئة كثيرا بالجوع وضحاياه بقدر اهتمامها بتسجيل نقاط في مرمى الخصوم، أيا كان حجم الألم الإنساني والخسائر البشرية.