“توقفوا عن جعل الأغبياء مشاهير”!
العميد برس:
في أواخر الستينيات من القرن الماضي، تنبّأ الرسام الأميركي “آندي وورهول” بظهور وسيط إعلامي يوفر للشخص العادي حلم الشهرة السريع، وعبّر عن ذلك في إحدى مقابلاته بمقولته الشهيرة: “في المستقبل، سيتمكن الجميع من أن يصبحوا مشهورين شهرة عالمية خلال 15 دقيقة فقط”
ورغم أنه في الستينيات لم تكن وسائل الإعلام واسعة الانتشار بما يحقق نبوءة “ووهول”، فإنه بعد أكثر من خمسين عاما من نبوءته، ظهرت وسائل التواصل الاجتماعي التي حملت على عاتقها تلك المهمة،
اليوم أصبحت وسائل التواصل الاجتماعي ، خاصة المعتمدة على الصور «مثل اليوتيوب، الإنستغرام والسناب شاب» وسيلة للاستعراض البصري في العالم كله، ولا يقتصر هذا على بقعة ما أو فئة معينة، حتى صار الأطفال يفتحون قنوات على اليوتيوب ويستعرضون فيها يومياتهم بكل ما فيها، صار لكل منبر، ولكل منصة في سوق كان في يوم من الأيام ناديا حصريا لنخبة مختارة تجيد التعامل مع هذه المنابر.
هذا الأمر يعتبر امتدادا طبيعيا لما فعلته الإنترنت من كسر التقليدية والمركزية، فمع هذا الفضاء الرقمي بات دور الوسطاء معدوماً، أو بالأحرى تغير من كونهم وسطاء تقليديين كشركات إنتاج وغيرها… إلى وسطاء لا يهمهم من تكون، وما مدى حقيقة إبداعك، ما يهم، قدرتك على أن تخلق من نفسك مبدعاً قادراً على استقطاب اهتمام الآخرين، وبالتالي تحويل نفسك من شخص مغمور، إلى بارز بصوتك أو صورتك، إبداعك أو تفاهتك، أو أياً من الأمور التي تلقى رواجاً في هذا الفضاء، وتدفع بها الخوارزميات للبروز أكثر.
بذلك سقطت حصرية مسألة «النجومية» وما يرتبط بها من قوة تسويقية، وسلطة تحريك الجماهير. ففي السابق، كانت تلك السلطة النجومية محتكرة في المشاهير الذين أتاح لهم التلفزيون ووسائل الإعلام التقليدية فرصة النجومية، وبعد أن سُحب البساط من الوسائل ذات القبضة الحديدية، انفرطت حبات المسبحة، وأصبحت مشاعا بلا حدود ولا قيود.
هذا الهروب من عراقيل الواقع، والذي سهُل مع الواقع الافتراضي، فرض على كل صاحب مجال أو هواية أو تفاهة، أن يكون في مجابهة تحدٍ أكثر تمحيصاً ليخرج للعالم شخصاً بارزاً؛ فلم يعد الأمر مقروناً بقرار فرد أو مؤسسة ترفض منحهُ الفرصة، لتنتهي بذلك مسيرته المحتملة، وإنما أضحت المسألة أكثر دمقرطة في كون قرار بلوغ الشهرة مرتبط بالناس وأصواتهم المتمثلة في عدد المشاهدات، والإعجابات، والتداولات فيهما بينهم.
منصات التواصل الاجتماعي باتت الوسيلة الأسهل للشهرة التي أصبح هوسها يطارد شبابنا بشكل عجيب، فنجدهم يلجؤون إلى تلك المنصات لتسجيل وتوثيق أي حدث عابر أو مناسبة، ربما لأنهم يجنون المبالغ الطائلة من ورائه أو لمجرد الشهرة، وأصبحت المنصات نفسها وخاصة اليوتيوب والسناب وسائل في الكثير من الأحيان تافهة لأشخاص عانوا من التهميش في محيطهم فلجأوا إلى فتح حساب على تلك المواقع وفرضوا أنفسهم بلا هدف وبلا معنى، بل هناك من يفبرك نسبة مشاهدته على اليوتيوب والسناب للوصول إلى الشهرة بسرعة، وقد شهدنا في السنوات الأخيرة انتشارا واسعا لظاهرة «نجوم السوشيال ميديا أو مشاهير اليوتيوب» بمختلف جنسياتهم وأعمارهم ولغاتهم وثقافتهم.هناك من استخدم هذه الوسائل، وخاصة اليوتيوب، بطريقة عبقرية وأوصل فكرته وهدفه وحاز على أعجاب المتابعين، ومنهم من تابعناه لأجل شخصيته الفريدة وحضوره المميز والمعلومات التي يقدمها، وهناك فئة لا محتوى ثقافي لها ولا إنساني، بل لا معنى لوجودهم، لكنهم يحظون بمتابعة هائلة ملفتة تدفعك للشك بالذوق العام للمجتمع الذي يتابعهم.وقد شاع في الآونة الأخيرة قول مشهور وهو «توقفوا عن جعل الأغبياء مشاهير»، وهذا دليل كبير على تذمر الكثير من المتابعين مما تعرضه بعض هذه الوسائل والمنصّات، بل اعتبروه منبر التافهين والسخافات، والغريب في الأمر أن الفيديوهات وبعض السنابات التي انتشرت مثل النار في الهشيم هي مواقف ومضامين سخيفة بلا معنى.
وهناك أسماء لـ «نجوم» في السوشيال ميديا، أصبح التقاط صورة معهم هدفا وحظوة هيهات تحصل عليها، وبالمقابل هناك علماء ومخترعون ومثقفون لا يعرف عنهم أحد إلا دائرتهم الضيّقة، وهذا بحد ذاته يشكل ناقوس خطر على أجيالنا القادمة.
فهل باتت وسائل التواصل الاجتماعي أبواب شهرة أم خطرا محدقا؟!