أخبار محليةسلايدشريط الأخبار

رحلة الـ 13 عاماً… إرادة صلبة لا تلين.. تشغيل الضواغط في معمل غاز جنوب المنطقة الوسطى نصر جديد كتبه عمال سورية

العميد برس:

“الساعة الثامنة صباحاً، دويُ انفجار يملأ أرجاء المكان، أشخاص يركضون من جميع الاتجاهات، زملاء استشهدوا هنا وآخرون أُصيبوا هناك، حزن يخيم على الأجواء”، مشهدٌ لا يغيب عن ذاكرةِ مئات العمال في مجال إنتاج الغاز، تزاحمه صورةٌ لأول دورانٍ لضاغط توربيني مع صوت هديرٍ لمحركٍ أدخل الفرح ورسم ابتسامة المنتصر على وجوه العمال رغم الألم.

ما بين فرحة الانطلاقِ والإقلاع في عام 2009، والتعرض للقذائفِ والكمائن والتفجيرات ومختلف أنواع الاعتداءات الإرهابية منذ عام 2011 وحتى العام الماضي، تتلخص رحلة ثلاثة عشر عاماً لمنشأةٍ تمتد على مساحة 400 دونم، وتحتضن بين مسافاتها الواسعة 600 عاملٍ وفني وإداري من مختلف المحافظات، لتكتملَ فصولُ هذه الرحلة غير المنتهية بإنجازات تتحدث عنها أرواح زملاء العمل وإصاباتِ الأحياء منهم، الذين ما زالوا الصورةَ الشاهدةَ على كل ما جرى.

500 ألف متر مكعبٍ من الغاز يومياً، رقمٌ قد يعتبره البعض إنتاجاً عادياً من أي معملٍ للغاز، لكن عندما يتعلق الأمر بإنتاجه في ظروف حرب وحصار من قبل الكوادر الوطنيةِ في معمل غاز جنوب المنطقة الوسطى التابع للشركة السورية للغاز، سيُدرك حينها أنه أمام قصةِ نجاحٍ وتميز لأشخاص جابهوا خطر الموت والإرهاب كُرمى لمنشأتهم، فلم يحافظوا عليها فقط، بل أنجزوا ضواغطَ توربينية جديدة فيها لزيادة الإنتاج اليومي.

معمل غاز جنوب المنطقة الوسطى تعرض بعد انطلاقته بعامين فقط، للكثير من اعتداءات الإرهابيين، ولا سيما من تنظيم (داعش)، سواء بالقذائف التي سببت أضراراً بالمعمل، واحتراقاً ببعض الأنابيب والخزانات، أو بمحاولات التفجير بسيارات مفخخة أو عبر الطائرات المسيرة، وغيرها من الهجمات الإرهابية التي أسفرت عن العشرات من الشهداء والإصابات، لكن كوادرَ المعمل استمرت بمعالجة الغاز الخام المستجر من الآبار، واستخلاص السوائل الهيدروكربونية لتغذية شبكات توليد الطاقة الكهربائية، إلى جانب إنتاج الغاز المنزلي، لأن الهدف الأسمى هو المصلحة العامة والبلد رغم أي خطر وفق رأي هذه الكوادر.

ليس هذا فحسب، فالمعمل لم يحافظ فقط على إنتاجه رغم كل الظروف بل طور من عمله، حيث شهد الأسبوع الماضي إطلاق مشروع الضواغط الغازية بقيمة إجمالية بلغت 80 مليون يورو و2 مليار ليرة سورية والذي تم فيه وضع الضاغط الأول والثاني بالخدمة، والعمل جار على وضع الضاغط الثالث والرابع بالاحتياط، الأمر الذي يزيد كمية الغاز بـ 500 ألف متر مكعب يومياً، ما يحسن من الغاز المنزلي والكهرباء.

والضاغط التوربيني الغازي هو عبارة عن آلة دوارة، لها ضاغط عند مدخلها وتربينة (عنفة) عند مخرجها وغرفة احتراق بينهما، حيث يحترق الهواء مع الغاز فيها وينتج عنها طاقة تدور التربينة وتشغل الضاغط.

التوقف ممنوع، والكل سباق للتضحية

الشعور بالمسؤولية هو المحرك الأساسي لاستمرار العمل على مدى هذه السنوات، فلم تتغير وتيرة العمل منذ إطلاق المعمل، ومشروع الضواغط الحالي الذي تم إنجازه في الوقت الزمني المحدد هو جزء من خطة تطوير العمل، وفق حديث رئيس شعبة الكهرباء بالمعمل المهندس سامر محمود، وقال: ” هذا ما نفخر به لأنه دليل على نجاحنا الذي تُوج بأن يكون السيد الرئيس بشار الأسد هو من افتتح المعمل عام 2009، ومن أطلق المشروع الجديد معنا مؤخراً ، هذا دليل على ثقته بنا وبأننا على قدر المسؤولية”.

في الـ 29 من كانون الأول عام 2014، يستذكر المهندس سومر علي من قسم العمليات بالمعمل حدثاً دامياً أفقده الكثير من رفاقه “عشنا أيام خطر حقيقي لكن لم يثنينا ذلك عن الصمود، كنا نبقى في أيام عمل متواصلة دون أن نرى أهلنا، في كانون الأول 2014 تعرض المعمل لتفجير من إرهابيي (د .ا ع .ش.) عند مدخله، وارتقى عدد من العمال شهداء وآخرون أصيبوا، وكنت واحداً منهم حيث أصبت بعيني وبأذية في السمع، لقد كان تحدياً واعتبرنا استمرارنا في العمل وفاء لأرواح زملائنا الشهداء”.

أصبح المعمل على مدى الـ 13 عاماً بيتاً للكثير من العمال، ولا سيما الذين كانوا منذ بداياته وحتى اليوم، وكما يدافع الأب عن منزله بكل قوته، كان الهم الأكبر لأبناء هذه المنشأة كيفية حفاظهم عليها، يقول المهندس نادر خضور رئيس شعبة المحطات: “أنا في المعمل منذ افتتاحه، لم يعد مصدر رزق وعمل فقط بل هو بيتنا، لا أنسى عام 2015 عندما تعرض المعمل في الـ 25 من شهر تموز للقذائف من قبل الإرهابيين، وتضرر الخارج الرئيسي لخط الغاز، كل تفكيرنا آنذاك انحصر بكيفية الدفاع عن المعمل لدرجة أننا نسينا حتى أنفسنا، أفراد الجيش العربي السوري الموجودون في المنطقة حذرونا، وطلبوا إبقاء أقل عدد ممكن من العمال لاستمرار تشغيله بسبب خطورة الوضع، إلا أن كل من كان موجوداً اختار البقاء بدافع الواجب والمسؤولية والتعلق بهذه المنشأة”.

وبحرقة الفقدان يتابع خضور حديثه: “استشهد رئيس المحطات السابق بعد تعرضه لكمين غادر وهو في طريقه الى المعمل، فقدنا الكثير من أحبتنا، وفاء للوطن ولكل من ضحى من زملائنا وجيشنا سنستمر، تشغيل الضواغط نصر جديد كتبه عمال سورية”.

الأحداث تطول ولا تنتهي بذكرى أو اثنتين، يقاطع المهندس محمود صالح رئيس الدائرة الهندسية بالمعمل زميله خضور بحديثه قائلاً : “حاولوا أيضاً استهداف سيارة نقل العمال، كنت حينها مع زملائي في السيارة، من الطبيعي أننا شعرنا بالخوف في لحظتها، لكن شعورنا بالغضب منهم كان أقوى، كل استهداف كان يعني لنا أننا يجب أن نستمر، لأن الفشل بحماية المعمل دليل عجزنا وهو ما لم ولن نسمح به”.
“المعمل يعني وجود الكهرباء والغاز، وأي عطل به يُحدث أزمة في البلد، لذلك كان هدفا مهما لاعتداءات الإرهابيين، وفي الوقت نفسه كان مكاناً لأحلامنا وعملنا وتأمين حاجة أهلنا وبلدنا”، هذا ما أعرب عنه المهندس نادر مرهج رئيس دائرة العمليات الذي وصف حاله ورفاقه بأنهم كانوا أشبه بالجيش الاقتصادي: “على مدار 13 عاماً عاش العمال قصصاً وتجارب كبيرة، كل عامل كان جزءاً من جيش الاقتصاد السوري، كنا أسرة واحدة، المعمل أيقونة جمعت عمالاً من مختلف المحافظات، الكل كان سباقاً للتضحية عند أي طارئ أو استهداف”.
8 ساعات، هي أطول مدة توقف بها المعمل، رغم كل ما حدث، هذه الساعات وحدها كانت إنجازاً، أكثر من حل تم اختراعه بلحظة حدوث الطارئ أو العطل، كي لا نتوقف… كلمات وصف بها المهندس باسم فاضل رئيس دائرة التحكم بالأجهزة الدقيقة صورة عملهم على مدار هذه السنوات، ويتابع: “رغم صعوبة تأمين القطع البديلة بسبب الحصار، كنا ورشة إصلاح مصغرة في كل قسم، الاختبار الحقيقي يحدث في مواقع العمل، لم نسمح بتوقف المعمل ولا أي مرة لأكثر من 8 ساعات فقط، اخترعنا حلولاً وبدائل، غيرنا خطوط تمديد لأن شراء جديد يعني تكاليف كبيرة، وغيرها الكثير من الأمور التي لم نتوان عن تطبيقها حتى لا يتوقف المعمل”.

السائق الجريح لجين ديب الذي ينقل العمال من وإلى المحطات يستذكر حادثة تعرض باص المبيت نهاية عام 2011 لهجوم إره.ابي أسفر عن إصابة واستشهاد عدد من العمال، وإصابته هو بنسبة عجز 40 بالمئة، ورغم ذلك عاد لعمله بعد عام كامل من العلاج، ويقول: “سعيد باستمرار المعمل اليوم وبأني شريك وجزء من هذا الإنجاز”.

الضواغط الجديدة ودورها في تحسين الغاز والكهرباء

بالعودة إلى آلية عمل معمل غاز جنوب المنطقة الوسطى، فإنه وفق مديره المهندس فادي إبراهيم يعالج الغاز الخام المستجر من الآبار، حيث تتم حالياً معالجة 5 ملايين متر مكعب من الغاز الخام يومياً، فيتم تجفيف الغاز وتبريده للدرجة – 40 لاستخلاص السوائل الهيدروكربونية، ثم إرسال الغاز لشبكات توليد الطاقة الكهربائية، كما ينتج المعمل نحو 60 طناً يومياً من الغاز المنزلي، إضافة إلى السوائل الهيدروكربونية المرافقة بكمية تصل إلى نحو 250 متراً مكعباً يومياً.

عند وضع المعمل بالخدمة عام 2009 كانت ضغوط الآبار عالية تصل إلى 200 بار، وهي كمية كافية لاستجرار الغاز من المحطات إلى المعمل، ثم تصدير الغاز للشبكة الغازية وصولاً إلى محطات توليد الطاقة الكهربائية دون ضواغط الرفع وفق إبراهيم، ولكن بعد 13 عاماً من العمل، ونتيجة الاستثمار الطبيعي لضغوط رؤوس الآبار أصبح المعمل بحاجة إلى ضواغط توربينية، الهدف منها رفع الضغط وتخفيف الضغط العكسي على الآبار، فبدأ العمل بمشروع الضواغط عام 2018، وتم وضع الشروط والدراسات لذلك والتعاقد مع شركة ستروي ترانس غاز الروسية والمباشرة بالمشروع، وهو 4 ضواغط غازية استطاعة كل ضاغط 2 مليون متر مكعب من الغاز يوميا، مقاد بعنفة غازية استطاعتها 10 ميغا واط ساعي، إضافة إلى 6 مضخات للسوائل الهيدروكربونية.

مشروع الضواغط يهدف حسب إبراهيم إلى إطالة عمر الآبار الغازية وإنتاج أكبر كمية ممكنة من الاحتياطي الموجود، بالإضافة إلى أن الكمية الجديدة المنتجة من الغاز تحسن من كميات الغاز المنزلي والكهرباء، وأضاف: “المعمل كان يعالج خلال سنوات الحرب لحد الـ 10.3 ملايين متر مكعب يومياً، رغم أن طاقة المعمل 7.5 ملايين متر مكعب، لأنه بسبب ظروف الحرب عملت كوادر المعمل على إجراء بعض التعديلات، ما منحنا مساحة من المرونة لزيادة طاقة الإنتاج، أي عملنا بـ 130 بالمئة من طاقة المعمل التصميمية”.

مدير عام الشركة السورية للغاز المهندس أمين الداغري أوضح أن المشروع يهدف إلى تكثيف ضغوط الآبار لإنتاج أكبر كمية ممكنة من الغاز، حيث إن الكمية المتوقعة للإنتاج بحدود 500 ألف متر مكعب من الغاز يومياً من الحقول الغازية المربوطة، وهي (حقول شمال الفيض وأبو رباح وقمقم ومحطات شمال دمشق وصدد وشريفة وزملة المهر)، وستتم معالجتها وضخها في الشبكة ومحطات توليد الكهرباء.

النتائج الأولية لعمليات تجريب الضاغطين الأول والثاني ممتازة حسب وصف الداغري، والعمل مستمر لتشغيل الضاغطين الثالث والرابع كاحتياطين سيوضعان بالخدمة خلال فترة ما بين 45 و60 يوماً بموجب العقد المبرم مع الشركة الروسية.

لطالما كان القطاع العام الحامل للاقتصاد والكثير من الخدمات خلال سنوات الحرب، واليوم يأتي هذا الإنجاز ليعزز هذه الفكرة، برسالة من كوادر المعمل للعالم أجمع بقدرة السوري على العمل والإنتاج في أصعب الظروف، وفق ما ذكره المهندس ماجد الأحمد والفني علي معروف اللذان أكدا أن اليد الواحدة في العمل لا تُقهر مهما حدث من ظروف.

نتائج الأولية لعمليات تجريب الضاغطين الأول والثاني ممتازة حسب وصف الداغري، والعمل مستمر لتشغيل الضاغطين الثالث والرابع كاحتياطين سيوضعان بالخدمة خلال فترة ما بين 45 و60 يوماً بموجب العقد المبرم مع الشركة الروسية.

لطالما كان القطاع العام الحامل للاقتصاد والكثير من الخدمات خلال سنوات الحرب، واليوم يأتي هذا الإنجاز ليعزز هذه الفكرة، برسالة من كوادر المعمل للعالم أجمع بقدرة السوري على العمل والإنتاج في أصعب الظروف، وفق ما ذكره المهندس ماجد الأحمد والفني علي معروف اللذان أكدا أن اليد الواحدة في العمل لا تُقهر مهما حدث من ظروف.

المصدر سانا .

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى